مقدمـة عامـة:
كانت ظاهرة الفقر و لا تزال من أبرز المشكلات الاجتماعية و الاقتصادية التي تنتشر في المجتمعات البشرية، لما يترتب عليها من آفات اجتماعية كالمرض و الجهل... و التي تؤثر سلبا على الواقع المعاش للأفراد من جهة و على تحقيق أهداف التنمية الاجتماعية و الاقتصادية من جهة أخرى.
و تشكل مكافحة الفقر و ايجاد سبل لمواجهته من أهم التحديات الأساسية التي تقوم بها الحكومات لرفع المستوى الأدنى لهذه الطبقات، و كذا الوقوف على مواطن الضعف و النهوض بها الى الرقي و مستوى معيشي ملائم إلى حد الكفاية في ظل النظام الذي يهدف الى تحقيقه.
ومن ثم كانت الزكاة احدى الركائز المهمة في محاربة آفة الفقر و التسول و دعم التنمية الاجتماعية ضمن منظومة اقتصادية متكاملة تبدأ بالبحث عن العمل و نبذ العجز و الكسل و تنتهي باعانة المدين، فالزكاة طهارة للنفس و المال لقوله تعالى:" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها" و اعتمدتها عدة دول اسلامية لمحاربة آفة الفقر، و لكن لا يمكن للزكاة أن تقوم بها الدور المهم إذا كانت مجرد دريهمات متناثرة بين الفقراء إذا كانت في شكل منظم و تحت رعاية و إشراف الدولة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم فمن بر لنفسه و من أثم فعليها" فالدولة تملك الوسائل التي تسمح لها بجمع و توزيع أموال الزكاة حسب الشرع،
و على مستوى الجزائر و باجتهاد من وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف و بمحاولة المساهمة في التخفيض من نسبة الفقر، تم إنشاء صندوق الزكاة و تعميمه على مستوى التراب الوطني سنة 2003 معتمدة على تجارب يعض الدول العربية و الاسلامية التي سبقتها في هذا المجال و بفضله يرجوا القائمون عليه أن تكون هذه السياسة ملائمة و فعالة في التصدي لمشكلة الفقر بالجزائر.
و تدور اشكاليتنا حول السؤال المطروح التالي:
- كيف يمكن لهذا النوع من التمويل الاسلامي (صندوق الزكاة) يعمل على التخفيض من مستويات الفقر، ودعم الأنشطة الاستثمارية؟
و منها الأسئلة الفرعية التالية:
1- هل تـعتبر الزكاة حلا ناجحا لمكافحة ظاهرة الفقر عـبر الزمـن ؟
2- هل وفق صندوق الزكاة منذ انشائـه في تحقيق أهدافه التنموية التي من بينها تراجع الفقر في الجزائر عن طريق استراتيجية تمويلية مناسبة؟
3- ما هي المعوقات التي تحول دون السير الحسن لعمل الصندوق و هل بامكان هذا الأخير تجاوزها؟
و من خلال موضوعنا نحاول إختبار الفرضيات التالية:
* يمكن للزكاة أن تؤدي وظيفتها الاقتصادية في الجزائر و تحقيق التنمية بتراجع نسبة الفقر بعد تطبيقها في شكل منظم عن طيق صندوق الزكاة.
* تؤثر الزكاة بشكل كبير على إقتصاد الجزائر و كذلك على عناصر الانتاج.
* يواجه صندوق الزكاة العديد من المشاكل و الحواجز التي تحول دون تحقيق لأهدافه.
أهـداف الدراســة:
نسعى من وراء هذه الدراسة إلى بلوغ مجموعة من الأهداف نذكر منها:
- كشف النقاب عن أهم الأسباب التي أدت إلى استحداث هذا الصندوق.
- التعريف بالزكاة باعتبارها مصدرا و موردا ماليا هاما للمجتمع و معرفة طرق حسابها و تحصيلها.
- ابراز أهم الآليات التي يسير وفقها الصندوق و مدى مصداقية و نجاعة هياكله التنظيمية
و قبل أي من الأهداف المذكورة فالهدف الرئيسي لأي باحث عنه تبنيه بحثا معينا هو التزود بالمعرفة و ازالة كل غموض يحيط بالموضوع الذي نريد معالجته و توظيف المادة العلمية و المنهجية المكتسبة خلال سنوات الدراسة.
أهميـــة الدراســة:
تحتل هذه الدراسة أهمية بالغة في الوقت الحالي و هذا نتيجة للتغيرات الجذرية التي يشهدها المجتمع الجزائري، و تكمن أهمية هذه الدراسة في إيجاد آلية جديدة للتمويل كانت لا تخضع للصفة التنظيمية للحكومات الجزائرية بالرغم من أنها أحد و أهم مصادر التمويل خاصة في الاقتصاد الاسلامي، فهي تعتبر دعامة أساسية وركيزة إقتصادية التي أدت إلى تطور الحضارة الاسلامية.
وتتزايد أهمية هذه الدراسة أكثر في كون أن الاقتصاد الجزائري سيتحصل على مورد مالي جديد في إطار تنظيمي سيعود بالنفع على مختلف شرائح المجتمع.
أسباب إخــتيار الموضوع:
أول مايواجهه الباحث قبل القيام بالبحث العلمي هو عملية اختيار موضوع البحث، و اختيارنا لهذا الموضوع لم يكن من العدم و إنما نتيجة لعدة إعتبارات موضوعية وذاتية، فيما يخص الناحية الموضوعية ما يلي:
- أهمية الموضوع و اقترانه بالمستجدات الحالية التي يمر بها الاقتصاد الجزائري.
- حداثة هذا الموضوع، صندوق الزكاة في الجزائر.
- معرفة مدى تأثير صندوق الزكاة على الواقع الجزائري من الناحيتين الاقتصادية و الاجتماعية.
- إثراء الجامعة بموضوع جديد لإعطاءه الصبغة الأكاديمية.
أما الاعتبارات الذاتيـة:
- الميل الشخصي للمواضيع المتعلقة بالاقتصاد الاسلامي.
- محاولة البحث و التعمق أكثر في المواضيع المستحدثة على الصعيد الوطني.
- إمكانية مواصلة البحث في هذا الموضوع و تقديم مساهمة متواضعة نضعها في متناول الباحثين المهتمين بهذا الموضوع.
و عليه من خلال ما تقدم تأتي دراستنا هذه لتصب في مجال الاجابة عن أسئلة كثيرة تولدت في أذهاننا حول تنظيم صندوق الزكاة و نخص بالذكر صندوق الزكاة لولاية بسكرة، خلفيات و مقومات، واقع آفاق حول انتهاج هذا التنظيم.
و سنـوجز الإجابة عن تساؤلاتنا في فصول بحثنا معتمدين على منهج تاريخي وصفي تحليلي مقارن إلى حد ما، أما تقسيم الفصول فهو كالآتـي:
الفصل الأول كمدخل عام حول الفقه لأنه من غير المعقول أن نتحدث عن صندوق الزكاة دون أن نعرف إلى ما يهدف إليه، و عليه فقد تطرقنا إلى ماهية الفقه و تحليل ظاهرة الفقر في الجزائر باعتبارها احدى الدول التي تعاني من هذه الظاهرة و كذلك اقتراح الزكاة كحل اسلامي لمعالجة الفقر من خلال ذكر النشأة الأولى لتنظيم الزكاة في عهد الرسول و الخلفاء و تجارب بعض الدول.
الفصل الثاني يستعرض مفهوم الزكاة و دورها في مكافحة الفقر و كذلك أوعيتها و مصارفها بالاضافة إلى أثرها على اقتصاد الجزائر من خلال دراسة تطبيقية بسيطة.
الفصل الثالث يتناول تنظيم الزكاة في الجزائر أو ما يسمى بصندوق الزكاة و رغم حداثة التجربة إلا أننا حاولنا تقديم كل ما أمكن جمعه حول هذا المشروع من نشأته في الجزائر و الطريقة التي يتم استثمار أموال الزكاة بها و نتائج ما توصل إليه صندوق الزكاة من جمع و توزيع أموال الزكاة في الفترة الوجيزة من ظهوره إلى الآن.
الفصل الرابع و يضم دراسة لصندوق ولاية بسكرة مع الوقوف على أهم المشاكل التي عرقلت سير الصندوق و نحاول على ضوئها اقتراح حلول ملائمة لتفعيل دور الصندوق.