ثانيا- التحديات التي تواجه البنوك الجزائرية في إطار الاندماج في الاقتصاد العالمي:
أدت التطورات التي شهدها الاقتصاد العالمي في مطلع القرن الواحد والعشرين إلى فرض ضغوط متزايدة على البنوك الوطنية نظرا للمنافسة التي فرضتها البنوك العالمية الكبرى واستحواذها على نصيب متزايد من الأسواق المحلية، خاصة بعد اتجاه الدول النامية - ومن بينها الجزائر- إلى فتح أسواقها وانتهاج سياسات التحرر الاقتصادي والتزامها بقواعد وضوابط الرقابة والإشراف التي وضعتها لجنة بال بسويسرا وفقا لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وهكذا أصبحت البنوك العمومية الجزائرية تواجه جملة من التحديات فرضتها التغيرات العالمية تتمثل أهمها فيما يلي:
1- النزعة نحو التدويل أو العولمة: يقصد بالتدويل تزايد التعاون بين الدول والمؤسسات المصرفية المختلفة المتواجدة بتلك الدول في المجال المصرفي والمالي، والدليل على ذلك الزيادة المعتبرة في تواجد البنوك خارج أسواقها المحلية، ويلاحظ أن التدويل له ثلاثة آثار هامة في العديد من الدول ومن بينها الجزائر التي قامت بإصلاحات في هذا المجال من خلال قانون النقد والقرض، وتلك الآثار الثلاثة أدت إلى ما يلي:
- زيادة عدد البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية العاملة في السوق المصرفية الجزائرية.
- تزايد أصول البنوك الأجنبية العاملة في السوق المصرفي.
- زيادة أهمية الأصول والالتزامات الأجنبية في البنوك العمومية.
ومن الملاحظ أن البيئة المصرفية تتجه بصورة متزايدة إلى العولمة كانعكاس طبيعي للتطور الكبير في وسائل الاتصالات، وهناك عددا من التداعيات المختلفة لظاهرة العولمة على البنوك أهمها:
أ- الخدمات المصرفية الدولية: تقوم معظم البنوك في الوقت الحالي بتقديم الخدمات المصرفية الدولية أو ما يعرف بالخدمات عبر الحدود[1]، وتعني قيام بنك في دولة ما بتوفير خدمات مصرفية متنوعة إلى عملاء له مقيمين في دولة أخرى.
ب- عولمة آلات الصرف: تقوم غالبية البنوك العالمية بربط آلات الصرف بشبكة الآلات العالمية لتقديم الخدمات المصرفية الدولية باستخدام الأقمار الصناعية كوسائط للاتصال، بحيث يمكن لأي عميل في الخارج أن يتعامل مع تلك الآلات في الدول المتواجد بها سواء خصما أو إيداعا في حسابه الجاري لدى البنك المحلي.
ج- تزايد البنوك متعددة الجنسيات: أدت ظاهرة العولمة المالية إلى تزايد البنوك الكبرى المتعددة الجنسيات والتي نتجت عن طريق ظاهرة الاندماج في محاولة للوقوف أمام المنافسة الكبيرة من جهة، ولاحتكار الأسواق المصرفية من جهة ثانية.
د- تبني البنوك للمعايير العالميةفيما يخص الجودة: أصبحت البنوك مطالبة بتبني المعايير العالمية في خدماتها المصرفية من خلال الجودة، وفي نمط تعاملاتها مع العملاء، وهذا ما يعني ضرورة قيام البنوك المحلية بأقصى الجهود لتحسين منتجاتها ووضعها في المصف العالمي.
في الوقت التي ظهرت في أوروبا ومن بعدها في العديد من دول العالم خلال العقدين الآخرين من القرن الماضي، إذ بدأت البنوك في تلك الدول في الابتعاد عن التخصص المصرفي وكذا تقليل التركيز على الأشكال التقليدية للإقراض والاستثمار، وبذلك أصبحت تلك البنوك تقوم بتقديم تشكيلة شاملة من الخدمات المصرفية من أجل مقابلة الاحتياجات المتنوعة للعملاء، وكذلك من أجل مواجهة ضغوط بنوك الدول الأجنبية التي كانت تقدم تشكيلة متنوعة من الخدمات المصرفية. وعليه ففي كافة أنحاء أوروبا أصبحت البنوك تتحرك باتجاه النظم المصرفية الشاملة والتي تمكنها من ممارسة نشاطها في أسواق كانت من قبل محظورة عليها، كما أن الأخذ بمبدأ التخصص في فلسفة العمل المصرفي أدى إلى محدودية أنشطة البنوك وبالتالي التأثير على مبيعاتها ومن ثم على نتائجها وقدراتها التنافسية.
لذا يستوجب على البنوك الجزائرية الأخذ بهذا الاتجاه إذا أرادت اكتساب ميزات تنافسية تمكنها من الاحتفاظ بحصتها السوقية ومنافسة البنوك الأجنبية وبالتالي زيادة ربحيتها.
3- التوريق أوالتسنيد: إن عملية التسيد أو التوريق ظاهرة جديدة استخدمت في الثمانينات من القرن الماضي، وصارت تشكل حاليا واحد من أهم ملامح أسواق المال الدولية، ويشير مصطلح التسنيد أو التوريق إلى عملية تحويل القروض المصرفية إلى أوراق مالية تطرح للتداول، ويعني ذلك أنه يتم تحويل ديون المؤسسات والهيئات المقترضة من المقرض الأساسي – وهو البنك – إلى مقرضين آخرين – وهم مشترو الأوراق المالية- وهو ما يطلق عليه بعملية التمرير المالي[2].
وهذا وقد نشأت ظاهرة التسنيد في البنوك التي فقدت ميزتها النسبية بالقياس إلى أسواق الأوراق المالية في مجال الوساطة المالية في عمليات الائتمان الدولية، كما حمل أسلوب التسنيد تغيرا في الدور الذي يقوم به المصرفيون، حيث أن الربحية الآن تحولت من كونها تعتمد على إجراء الدراسات والأبحاث فيما يتعلق بهامش أسعار الفائدة إلى التركيز باتجاه تحقيق الإيرادات من العمولات عن الأنشطة الخاصة بتقديم أدوات الدين.
4- التجمع والاندماجية: يعد الاتجاه نحو ظاهرة التجمع والاندماجية الأكثر أهمية من بين الاتجاهات التي تلائم العمل المصرفي في غالبية دول العالم ومن بينها البنوك الجزائرية، ولعل حركة التجمع والاندماجية تحددت ملامحها واكتسبت خصائصها وصفاتها المميزة من خلال رغبة البنوك التي تعمل على نطاق واسع في الحـفاظ على تواجدها عالميا، بالإضافة إلى قدرتها على تقديم تشكيلة شاملة من الخدمات المصرفية، هذا ويمكن القول أن من أهم الأسباب الرئيسية التي تفسر حدوث عمليات التجمع والاندماجية ترجع إلى دوافع إستراتيجية مرتبطة بالتنويع وكذا الدوافع الاقتصادية المرتبطة بعلاقة العمل والتعاون.
ومع تسارع وتيرة العولمة والتحرر المالي في الأسواق المالية، أصبحت ظاهرة الاندماج بين البنوك والمؤسسات المالية مثيرة للانتباه، خاصة لكونها قد تعاظمت مؤخرا إلى الدرجة التي وصفها المحللون الماليون بأنها ظاهرة العصر، ويسود الاعتقاد بأن المؤسسات المصرفية الكبيرة الحجم تعمل وفق الأعراف المصرفية السليمة ومن ثم يمكنها مواجهة المنافسة الشديدة في السوق المصرفي، كما يمكنها خفض المخاطر التي يتعرض لها نشاطها المصرفي.
يعرف الدمج المصرفي بأنه العملية المالية التي تؤدي إلى الاستحواذ على بنك أو أكثر بواسطة مؤسسة مصرفية أخرى، حيث قد يتخلى البنك المندمج عن اسمه وينضوي تحت اسم المؤسسة المصرفية التي قامت بعملية الدمج[3].
يتنوع الدمج المصرفي من حيث طبيعة نشاط البنوك المندمجة إلى الدمج الأفقي، الدمج الرأسي والدمج المختلط، أما من العلاقة بين أطراف عملية الدمج إلى الدمج الطوعي، الدمج القسري والدمج العدائي[4].
إن من أهم التوجهات التي شهدتها السنوات الأخيرة من القرن الماضي انتشار هذه الظاهرة بين المؤسسات المالية الكبرى، سواء داخل الدولة الواحدة كما حدث في عدد من بنوك الولايات المتحدة الأمريكية والبنوك اليابانية أو عبر الدول بين بعض البنوك الأمريكية والبنوك الآسيوية.
من أهم الاندماجات التي وقعت في نهاية القرن الماضي دمج Bank America وNations Bank في أفريل 1998، دمج Nord Banken السويدي مع Merita وهي مؤسسة مالية فلندية في أكتوبر 1997، كما تم دمج Credito Italino وهو بنك تجاري إيطالي رائد و Unicredito وهي مؤسسة ادخار إيطالية في أفريل 1998، كما جرت عملية دمج بين DBS Bank وهو بنك من سنغافورة مع Thai Danu Bank وهو بنك تجاري من تايلاند في ديسمبر 1997 ، كما استحوذت مجموعة ING الهولندية التي تعمل في المجال المصرفي والتأمين على Allgemeine Deutsche direkt وهو مصرفي ألماني في مارس 1998[5] .
وتستهدف عملية الاندماج تحسين مستوى أداء البنوك وتدعيم قدراتها التنافسية في الأسواق العالمية، وذلك من خلال الاستفادة من تباين المزايا النسبية التي تتمتع بها تلك البنوك، هذا إلى جانب الاستفادة من وفورات الحجم الكبير، وعلى على الرغم من تلك الإيجابيات تظهر هذه العملية بعض الآثار السلبية منها استغناء المؤسسات المصرفية المندمجة عن عدد من العاملين بها، وحالة عدم الاستقرار الناتج عن إعادة ترتيب أنشطة البنك، كما يزداد وقع تعثر البنوك الكبيرة على الاقتصاد[6].
5- الإبتكارية :تعد ظاهرة الابتكار قوة دافعة أساسية في مجال التطورات الحديثة التي تشهدها الأعمال المصرفية في الوقت الراهن ، كما أنه من المتوقع في المستقبل استمرار الابتكار كقوة رئيسية في هذا المجال ، نظرا للتطورات التكنولوجية المتلاحقة.
هذا ويمكن أن ينظر إلى الابتكار بمعناه الواسع على أنه توظيف واستخدام مبكر لفكرة ما بواسطة بنك وتجسيدها في شكل خدمة تتميز عن بقية الخدمات المصرفية[7]، وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن الابتكارات تشمل المنتجات المصرفية التي تزود عملاء البنك بخبرة جديدة وغير مألوفة أو فريدة واستثنائية، ووجهة النظر هذه تشمل النظم والأساليب والأدوات التي تجعل تلك المنتجات في متناول العملاء في الوقت والزمان المناسبين وبسعر يرضي هؤلاء العملاء.
هذا وقد تأخذ عملية الابتكار شكلين الأول هو ابتكار منتجات جديدة، والثاني هو ابتكار أساليب جديدة، وهذين الشكلين قد يكونا مكملين لبعضهما البعض، وفي هذا السياق نود الإشارة إلى أن ابتكار الخدمة المصرفية قد يكون بمثابة إجراء عملية تغيير أو تعديل أو تبديل في الخصائص والمميزات للخدمة المصرفية المقدمة إلى السوق. ومن ناحية أخرى فإن ابتكار الأساليب الجديدة تتناول إجراء عملية تغيير في طبيعة واستخدامات المدخلات في إطار إنتاج خدمات فريدة في السوق، كما أن الابتكار على المستوى الإستراتيجي للبنك، فإنه يهتم بكل من الابتكار في مجال الخدمات المصرفية، والابتكار في الأساليب، والابتكار الإداري والتنظيمي، هذه المستويات الإستراتيجية الثلاث ذات علاقات تكاملية.
ص31.